سورة النور - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


وقال: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الرسول بحكم الله، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} أي عن الحكم. وقيل: عن الإجابة. {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} مطيعين منقادين لحكمه، أي: إذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم بأنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضًا بالحق. {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} أي: شكوا، هذا استفهام ذم وتوبيخ، أي: هم كذلك، {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} أي: بظلم، {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنفسهم بإعراضهم عن الحق. {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى كتاب الله ورسوله، {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} هذا ليس على طريق الخبر لكنه تعليم أدب الشرع على معنى أن المؤمنين كذا ينبغي أن يكونوا، ونصب القول على الخبر واسمه في قوله تعالى: {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أي: سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: فيما ساءه وسره {وَيَخْشَ اللَّهَ} على ما عمل من الذنوب. {وَيَتَّقْهِ} فيما بعده، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} الناجون، قرأ أبو عمرو وأبو بكر {يتقه} ساكنة الهاء، ويختلسها أبو جعفر ويعقوب وقالون، كما في نظائرها ويشبعها الباقون كسرا، وقرأ حفص {يتَّقْهِ} بسكون القاف واختلاس الهاء، وهذه اللغة إذا سقطت الياء للجزم يسكنون ما قبلها، يقولون: لم أشترْ طعامًا بسكون الراء. قوله عز وجل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} جهد اليمين أن يحلف بالله، ولا حلف فوق الحلف بالله، {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنّ} وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أينما كنت نكن معك، لئن خرجت خرجنا، وإن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا، فقال تعالى: {قُل} لهم {لا تُقْسِمُوا} لا تحلفوا، وقد تم الكلام، ثم قال: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} أي: هذه طاعة بالقول وباللسان دون الاعتقاد، وهي معروفة أي: أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون، هذا معنى قول مجاهد رضي الله عنه. وقيل: معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل. وقال مقاتل بن سليمان: لتكن منكم طاعة معروفة. {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.


{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: تولوا عن طاعة الله ورسوله، {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} يعني: على الرسول ما كُلِّف وأُمر به من تبليغ الرسالة، {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} من الإجابة والطاعة، {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي: التبليغ البين. قوله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ} قال أبو العالية في هذه الآية: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين مع أصحابه، وأمروا بالصبر على أذى الكفار، وكانوا يُصْبِحُونَ ويُمْسُونَ خائفين، ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة، وأمروا بالقتال وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم سلاحه، فقال رجل منهم: ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فأنزل الله هذه الآية {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} أدخل اللام لجواب اليمين المضمرة، يعني: والله ليستخلفنهم، أي: ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها، {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قرأ أبو بكر عن عاصم: {كما استخلف} بضم التاء وكسر اللام على ما لم يسم فاعله، وقرأ الآخرون بفتح التاء واللام لقوله تعالى: {وعد الله}. قال قتادة: {كَمَا اسْتَخْلَفَ} داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء. وقيل: {كما استخلف الذين من قبلهم} أي: بني إسرائيل حيث أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم، {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} أي: اختار، قال ابن عباس: يوسع لهم في البلاد حتى يملكوها ويظهر دينهم على سائر الأديان، {وَلَيُبدِّلنَّهُمْ} قرأ ابن كثير وأبو بكر ويعقوب بالتخفيف من الإبدال، وقرأ الآخرون بالتشديد من التبديل، وهما لغتان، وقال بعضهم: التبديل تغيير حال إلى حال، والإبدال رفع الشيء وجعل غيره مكانه، {مِنْ بَعْدِخَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي} آمنين، {لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} فأنجز الله وعده، وأظهر دينه، ونصر أولياءه، وأبدلهم بعد الخوف أمنًا وبسطًا في الأرض.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن الحكم، أخبرنا النضر، أخبرنا إسرائيل، أخبرنا سعيد الطاهري، أخبرنا محمد بن خليفة، عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل، فقال: «يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها»، قال: «فإن طالت بك حياة فَلَتَريَنَّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله»، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد؟، «ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى» قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «كسرى بن هرمز، لئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب وفضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليَلْقَينَّ اللهَ أحدُكم يوم القيامة وليس بينه وبينه ترجمان يترجمُ فليقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنَّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم»، قال عدي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة»، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت ممن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونَّ ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه وفي الآية دلالة على خلافة الصديق وإمامة الخلفاء الراشدين. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرني حماد هو ابن مسلمة بن دينار، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون، مُلْكًا». ثم قال: أمسك خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشرًا، وعثمان اثنتا عشر، وعلي ستة. قال علي: قلت لحماد: سفينة، القائل، لسعيد أمسك؟ قال: نعم. قوله عز وجل: {وَمَنْ كَفَرَبَعْدَ ذَلِكَ} أراد به كفران النعمة، ولم يرد الكفر بالله، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} العاصون لله. قال أهل التفسير: أول من كفر بهذه النعمة وجحد حقها الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه، فلما قتلوه غيرَّ الله ما بهم وأدخل عليهم الخوف حتى صاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخوانًا.
أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد التميمي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم المعروف بابن أبي نصر، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة المعروف بالطرابلسي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن حميد بن هلال قال: قال عبد الله بن سلام في عثمان: إن الملائكة لم تزل محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، فوالله لئن قتلتموه ليذهبون ثم لا يعودون أبدا، فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله أجذم لا يَدَ لهُ، وإن سيف الله لم يزل مغمودًا عنكم، والله لئن قتلتموه ليسلنَّه الله ثم لا يغمده عنكم، إما قال: أبدًا، وإما قال: إلى يوم القيامة، فما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفًا، ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفًا.


قوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: افعلوها على رجاء الرحمة. {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} قرأ عامر وحمزة {لا يحسبن} بالياء، أي: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم {مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ} وقرأ الآخرون بالتاء، يقول: لا تحسبن يا محمد الذين كفروا معجزين فائتين عنا، {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12